السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أريد منكم حلًّا لمشكلتي؛ فأنا متزوجة منذ أكثر من عشر سنوات، وزوجي مدمن على الصور والمواقع الإباحية منذ بداية زواجنا، كان على الدش وبعدها على النت، وما زال على هذا الوضع، وقد حاولت بشتى الطرق، حاولت التقرب إليه ولبست له أحسن الثياب، ولكن بلا أي أثر فماذا أفعل؟!
أعلم أن الله لن يخيب دعائي، ولكن أريد مساعدتكم؛ فأنا أحب زوجي وأخاف عليه من غضب الله.. أرجوكم ساعدوني فأنا متألمة.
الجواب:
الحمد لله.. الأخت السائلة..
بداية أشكر لك اهتمامك بدين زوجك وخوفك عليه، وأرجو أن يكون حرصك هذا نابعا من غيرتك على محارم الله ودينك ابتداء قبل أن يكون غيرة من زوجة على زوجها فيما يخص شأن الدنيا..
لذا أنصحك ابتداء بتجديد النية الصادقة لله سبحانه وتعالى والخالصة لوجهه الكريم حرصا على رضا الله سبحانه ورجاء لتقريبه لله سبحانه.
وكذلك أنصحك أن تستعيني بالله في كل طريقة تقدمينها لزوجك، وأن تتواصلي بقلبك مع ربك عز وجل فلا خاب من رجاه ولا خسر من ناجاه.
الذي تحدثت عنه أختي الفاضلة من سعيك نحو إبعاده عن المعصية وجهدك بشتى الطرق المختلفة كاف لتغيير أي إنسان.. لكنني هنا أحاول تبصيرك بعدة أمور أراها مؤثرة ومهمة في مشكلتك التي تعانين منها:
لابد أختي السائلة أن تعرفي أن كثيرا من البيوت تعاني من هذه الأزمة، فالقضية ليست في بيتك وحدك ولكنها قد انتشرت في آلاف البيوت، وصدقيني لو تتبعت الأمر إحصاء لعلمت أن الشكوى من الإباحية الإعلامية عبر الإنترنت والقنوات الفضائية قد دخلت غالب البيوت المسلمة مع كل أسف، بل صارت محور كثير من المشكلات المنزلية، ولم ينج منها إلا من استمسك بمنهج إسلامي قوي متين وصدق مع ربه فيه.
قبل أيام فقط وصلتنا شكوى من أحد الطلاب يشتكي أنه منذ صغره، وكانت بداية تركيب الدش عندهم، وبينما هو يقلب القنوات فوجئ بالمناظر الفاضحة، يقول، فكنت أنتظر نوم أمي وأبي وإخوتي كل ليلة، حتى أقوم وأشاهد ذلك، ولم يكن وحده بل كان يدعو أقرباءه من الشباب، وازداد الأمر سوءًا حتى أصيب بما لا يحمد عقباه بعدها، حتى قال الفتى: أنه قد طلب من أبيه إخراج التلفاز والكمبيوتر من بيتهم لأنهما يضرانه، فرفض الأب!
فالسبب هاهنا واضح في انحراف الابن، وهو عدم مبالاة الوالدين- وخصوصا الأب- بالمشكلة، فالأزمة إذن كما ترين ليست قاصرة على زوجك بل هي متعدية إلى أولادك والأجيال القادمة.
وتعالي بنا نبحث عن السبب الأساسي الذي يكمن وراء هذه العادة التي اعتادها زوجك فلم يستطع مفارقتها برغم كل جهدك معه..
ما هو السبب الذي يكمن وراء أن يدمن إنسان متزوج هذه الأفلام؟!
المنطق العقلي يقول إن الأسباب محدودة بعدة احتمالات سيكون منها ولاشك عدم محبته لزوجته أو عدم قربه منها أو تقصيرها في حقه أو اعتياده النظر حتى صار عنده عادة أو رغبته في قضاء وقت ترفيه بلا ضوابط ينتشي برؤية تلك المشاهد، مع عدم خوفه من عاقبة فعله أو اعتباره ما يرى ليس فيه خطأ أو جرم..
لا شك أن كل هذا مطروح، ولا شك أن كل هذا قد يكون موجودًا بنسبة أو بأخرى، لكن الخطأ هنا هو أن تستغرقنا هذه الأسباب فتغفلنا عن السبب الرئيسي الذي يحرك كل هذا.. وهذا ما أحب أن أركز عليه معك..
إن السبب الأساسي فيما هو واضح هاهنا هو غياب الإيمان، وضعفه، والغفلة عن مراقبة الله سبحانه، وعدم وجود الخشية من الله سبحانه وتعالى حيث يمكنه أن يجلس بالساعات فيما ربه غاضب عليه وبينما تجتمع حوله الشياطين فتؤزه أزا..
وكذلك وجود الجفاء بين هذا الزوج ومعاني الروحانية الإيمانية التي يمكنها أن تكون داعمًا له في إبعاده عن الذنب، فيغفل الإنسان عندئذ عن أن الله يراه ويحيط به علما، فيسهل عليه إسكات ضميره، وإلهاء نفسه، وإهمال داعي الخير في قلبه.
فالحل أيتها الأخت ليس فقط بجديد تقدمينه وآخر متنوع تبتكرينه- مع أهمية ذلك وضرورة مراعاته- إنما أساس الأزمة يكمن في قلب زوجك..
ودعيني أسألك بعض الأسئلة التي هي تقع في لب الحل ومحوره وأرجو أن تسأليها لنفسك في موقفك ذاك:
هل زوجك يصلي بانتظام؟ وهل يحافظ عليها في جماعة قدر استطاعته؟ وهل أنت كذلك؟
هل استطعت أن تنشئي في بيتك بيئة إيمانية؟
هل تراعون في بيتكم ذكر الله في الصباح والمساء؟
هل يرتفع في بيتكم صوت القرآن سواء كان وردًا مقروءًا أو سماعًا.
هل دعوتم بعضكم يوما لصلاة ركعتين في جوف الليل فدعوتم الله أن يباعد بينكم وبين الشيطان؟
هل تحريتم ودققتم في الرزق الحلال في الطعام والشراب؟
هل تذاكرتم يوما نعمة الحياة وفتنة الموت؟
هل امتنعتم عن دعوة الشيطان إلى بيتكم بالغيبة في حق الناس والنميمة بينهم وسوء الظن فيهم؟!
إن القلوب يا أختي هي المصدر الفعلي للسلوك، يقول عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «...إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله». وإنما الجسد أعضاء وحركات وأفكار.. فإصلاح القلب إصلاح لها كلها..
كذلك فالبيوت يجب أن تؤسس ابتداء على الإيمان والهدى، فاسألي نفسك عن ذلك، هل أسست بيتك عليهما؟ أم أهملتهما؟ فالله سبحانه يقول: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ...} [التوبة: من الآية 109].
فأنصحك، أن تساعدي زوجك على الانتظام في صلاته، وتدفعينه لها حتى وإن لم يكن بأسلوب مباشر، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وها هو شهر رمضان يهيئ لك فرصة لا تتكرر..
وأنصحك بالاهتمام بذكر الله، فنسيانه والغفلة عنه يؤدي إلى اضطراب وظائف البيت ويذهب سكينته وطمأنينته، فالذكر خير كله، فضل ورزق ونورانية وهدى..
وأنصحك بدعوة زوجك لصلاة ركعات في جوف الليل ففي الحديث القدسي أن ربنا سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول: «هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه، هل من سائل فأعطيه؟» عسى أن تكون دعوة في جوف الليل سببًا في هداية قلبه فادْعي الله له أن يحبب إليه الإيمان ويزينه في قلبه، وفي حديث صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء».
وأرجو منك أن تجالسي زوجك مجالسة صريحة واضحة تحسبون حق الله في أموالكم من زكاة وتخرجون صدقة أموالكم، وتراعون الحلال فيها بكل دقة، كي يُقْبَل دعاؤكم ويُبارَك في أرزاقكم.
أختي الكريمة، قد تجدين مشقات وعوائق كثيرة في سبيل علاج مشكلتك، فكثير من الأزواج لا يقبلون بنصيحة زوجاتهم ولا بتذكرتهن أو توجيههن، كبرياء منهم عليهن أو إعراضا، ويشعرون أنها انتقاص من قوامتهم، فأنصحك هاهنا أن تتغلبي على ذلك بأن تكوني قدوة عملية فعلية، افعلي أكثر مما تقولين ونفذي الخير قبل أن تتحدثي به.
كما أنصحك أن تكوني ذكية في نصح زوجك فلا تضغطي عليه بالرقابة فيضجر منك ويغضب، بل ترفقي به، لئلا يعاندك ويكابرك.
كذلك تكوني ذكية في اختيار أوقات الاقتراحات المبعدة له عن المعصية، فاختاري وقتا إيمانيا مناسبا تطلبين منه إلغاء القنوات الفاسدة بلا رجعة ووقتا آخر تطلبين منه وضع الكمبيوتر في وسط البيت يراه الجميع، ووقتا آخر صالحا تشاهدين معه قنوات إسلامية تدعو للخير وتأمر بالمعروف.
يأتي في النهاية هاهنا دور ما ذكرت من اهتمام به وبحقوقه جميعا، وبرعاية عينه ألا تقع منك على قبيح وألا يشم منك إلا أحسن ريح، وأن تكوني قدوة في بيتك، قريبة من ربك، وأن تبتكري الطرق الجديدة لتملئي عينه وتذهبي وحشته، وتتقربي إلى ربك بالدعاء والابتهال ليفرج كربتك.. هداكما الله لكل خير وهدى وجعل بيتكما بيت نور وإيمان.. آمين.
الكاتب: أميمة الجابر.
المصدر: موقع المسلم.